كلنا مسلمون

الحمد لله الذي قصم بالموت رقاب الجبابرة و كسر به ظهور الأكاسرة و
قصر به آمال القياصرة الذين لم تزل قلوبهم عن ذكر الموت نافرة حتى جاءهم
الوعد الحق فأرداهم في الحافرة فنقلوا من القصور إلى القبور و من أنس
العشرة إلى وحشة الوحدة و من المضجع الوثير إلى المصرع الوبيل فانظر هل
وجدوا من الموت حصنا

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد ابن عبد الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قد
يسعى البعض الى تصوير الخلافات بين اطياف المسلمين وكأنه خلاف خالد لا
يمكن حلّه الى يوم الدين ولكني اعتقد انها بالدرجة الأولى خلافات سياسية
بين الصحابة قديما وبين المشائخ فيما بعد تجاوزها الزمن أضيف اليها مع مر
الزمن أمور لم تكن في الاولين فتراكمت حتى اصبحت هذه الاطياف شديدة التباين
وعميقة الاختلاف وخصوصا فيما يخص العقيدة فنرى ان الاسباب الاساسية قد
فقدت مبرر وجودها اليوم واصبح من اليسير تمييز الصحيح في هذه الامور ومعرفة
الافتراءات والزيادات الخاطئة وذلك بعد حدوث كثير من التطورات العلمية
والانسانية والسياسية في حياة المسلمين فأصبحت أدوات البحث العلمي أكثر
توفرا وسهولة وتداخلت العلوم الانسانية الاجتماعية والنفسية واللغوية
والتاريخية مع كل العلوم الحالية بما فيها الدينية حتى اصبحت سندا ضخما
وراسخا نستطيع الرجوع اليه في التحكيم وصارت التطورات السياسية في تقدم
بطيء وثابت يسمح يوما بعد سوم بمزيد من الحريّة لفتح ابواب الحوار والنقاش
فنجد الشعوب حاليا تسعى لمزيد من التقارب بينما نرى المؤسسات الدينية
والحكومات الاسلامية تسعى بخلاف ذلك لمزيد من التفرقة والاقصاء مستخدمة اخر
ما تفاقم اليه الخلاف
والتي يسعون بها لمزيدة من تقديم صنوف الولاء
لجهة عالمية متحكمة او لتيار داخلي متخلف قاهر وفي الحقيقة انه لم تبق من
هذه الاختلافات سوى بعض الرواسب والمخلفات المقدور على احتوائها والتي لا
أجد فيها مادة جدية للخلاف و التناحر بين المسلمين وان اكثر ما أضيف الى
المذاهب من خزعبلات بدأت في التحلل والضياع بطريقة طبيعية وصحيّة ويجب ان
ناخذ في الاعتبار ان الهدف الالهي اساسا من الاختلاف هو الحوار للوصول الى
الاختيار وانه احد اسباب ابتلاء الله لعباده ليختبرهم في تطبيق الشريعة
السمحاء بينهم واذا كان ينبغي التخلص من بقايا تلك الرواسب التاريخية فانه
يجدر أيضا مقارنة تلك الخلافات بأسباب الاختلاف العديدة الأخرى السياسية
والاجتماعية والطبقية التي تمتليء بها حياتنا اليومية والتي يجب ان نعمل
سوية من أجل التخلص منها أيضا
من أجل بناء وحدة اسلامية قوية ومتماسكة
على غرار الوحدات الاوروبية والاسيوية الحالية ورغم ان صورة الاطياف
المتناحرة بتذكير الجماهير بتفاصيل بدايتها واذكاء روح الحقد في قلوبهم
بسببها دائما ما تختزل في الخلاف السني الشيعي فاننا نجد في الحقيقة ان
الخلاف الطائفي بين المتطرفين من جميع الاطياف لم يكن بين الشيعة و السنة
فقط فهناك خلافات مريرة كانت ولا تزال داخل كل طائفة داخل الشيعة والسنة
اضافة الى الخلافات
القومية والقبلية والطبقية والحزبية التي تفجرت عبر
التاريخ وتتفجر هنا وهناك باستمرار بفعل فاعل بشكل يجعلني احيانا اجزم
بانها تعدت الخلاف الطائفي بمراحل اكبر واعمق والحقيقة ايضا ان بعض الحواجز
النفسية والمسائل البسيطة هي التي عادة ما تثار عند كل مناظرة بين محبي
الخلاف بينما تترك الامور التي قام على اساسها الخلاف فاتعجب كيف تبدأ
الامور لسبب وتستمر لاسباب اخرى لاهداف تخريبية بحته عندها الا يجب ان نحذر
ممن يسعى لاستمرار وجود هذه الحواجز النفسية وهم على أية حال فئات صغيرة
ويمكن عزلها من قبل الجماهير الاسلامية والتي تمدهم بالقوة والسلطة في وجه
كل من يقف في وجوههم باستعداء الشعب عليهم فيتم تجاهلهم وتهميشهم بعد كشف
كذبهم بالحوار الصادق والهاديء ووقتها لا اعتقد انهم سيختفون من الوجود
ولكني اعلم ان التطرف وقتها سيعيش في صدور من الغلاة من الفريقين وأخيرا
فان الخلافات الاسلامية وخصوصا الطائفية اذا كانت تحمل في بدايتها اي سبب
منطقي فان شعوب المسلمين من جميع الطوائف لا يدركون اليوم له اي سبب أو
مضمون وآن له ان يدفن في مقابر التاريخ وتصبح اعادة النظر حلّ لفهم الاسلام
وتجديد نظرتنا لنصوص القران والسنة الصحيحة وتشجع حريات التعبير والاعتقاد
وتكون في مضمون الاختبار والابتلاء الرباني للعباد لاستحقاق الجنة او
غيرها مع التأكيد على مقتضيات هذه الحريات وتنسيبها بحذر يتفق عليه الجميع
متخذين من الكتاب والسنة دليلا هاديا وبعد تحديد حدود ومقتضيات واداب قيمة
الحرية علينا ان نبين ما في الدين من قواعد لا يجوز أن يختلف عليها الناس
وما فيه اجتهادات مبنية على أدلة ترجيحية لا يجوز أن تكون سببا لتفرق
وتناحر الأمة وانما مدعاة للحوار والنقاش وان تكون منشورة ومشاعة بين
المسلمين في كل بلد ولكل الحرية في الوصول للحق بفهمه واقتناعه ولكن قبلها
يجب ان نقول كلنا مسلمون ويكفي تشتت