ان من محاسن الآداب وفضائل الأخلاق وجميل الصفات حسن الانصات والاستماع فهو خصلة رفيعة ومهارة عالية قل من يحسنها . يحرص كثير من الناس على تعلم فن الالقاء ومهارة التحدث أمام الناس ، بينما لا نجد أحدا يتعلم فن ومهارة الانصات مع أن المستمع الجيد خير من المتحدث الجيد فى أغلب الأحوال .
لقد تضافرت النصوص من الكتاب والسنة وأقوال السلف فى وجوب حفظ اللسان وعدم اطلاق العنان له فيما لاخير فيه من الكلام ، ولقد كان صلى الله علية وسلم خير منصت يستمع للرجل والمرأة والصغير والكبير والمسلم والكافر وكان أحسن الناس خلقا وأشدهم تواضعا .
وحينما جاءه عتبة بن ربيعة رسولا من قريش يعرض عليه أمورا يريد أن يصده بها عن دعوته أنصت له وأقبل عليه حتى اذا انتهى من كلامه قال له صلى الله عليه وسلم : " أفرغت يا أبا الوليد ؟ " قال : نعم ، قال : " فاسمع منى" الحديث .
كما وردت آثار كثيرة عن السلف فى الحث على هذا الأدب الحسن وتربية الناس عليه . قال الحسن بن على رضى الله عنه مؤدبا ابنه : يا بنى اذا جالست العلماء فكن على أن تسمع أحرص على أن تقول ، وتعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الكلام ولا تقطع على أحد حديثا وأن طال حتى يمسك .
وقال الحسن البصرى - رحمه الله - " اذا جالست الجهال فأنصت لهم واذا جالست العلماء فأنصت لهم ؛ فان فى انصاتك للجهال زيادة فى الحلم ، وان فى انصاتك للعلماء زيادة فى العلم "
والناس يحبون من يسمع لهم ويقدر آراءهم ويشعرهم بأهميتهم ، والمستمع الجيد يكسب المزيد من المعلومات ، ويفهم النفسيات ، ويعرف الحاجات ، ويسلم من كثير من الافات والفلتات ، وينجح فى بناء الصداقات والعلاقات ، ويسمو فى أعين الأفراد والجماعات ، والانصات فن ومهارة له قواعد وأصول وآداب ، كما قال الشاعر : ان بعض القول فن
فاجعل الاصغاء فنا
فمن آدابه وقواعده : أن تقبل على المتحدث بوجهك وتتواصل معه بعينك ، وتشعره بأنك مستوعب لما يقول بالكلام تارة وبالحركة تارة ، كأن تقول : نعم ، صحيح ، جيد ، وتهز رأسك علامة على قبول كلامه وفهمه ، ومن آداب الاستماع : عدم المقاطعة الا عند الضرورة ، وعدم اشعار المتحدث بأنك تعرف ما يقول ، فعن معاذ بن سعيد قال :
كنا عند عطاء بن رباح فتحدث رجل فأعترض له آخر فى حديثه ، فقال عطاء : " سبحان الله ما هذه الأخلاق ؟
انى لأسمع الحديث من الرجل وأنا أعلم منه به ، فأريه أنى لاأحسن منه شيئا "
ومن آداب الاستماع : عدم الانشغال عن المتحدث بالبدن أو الفكر ، أو الاستماع بنية الرد . ان الناظر فى كثير من مجالسنا يجد خللا كبيرا فى التزام هذا الأدب الرفيع ، فالناس فيها بين متحدث ، ومستعد للحديث ، ومزور
للرد ، ومجادل ومقاطع وثرثار يتكلم فيما يعرف ومالا يعرف ولاتكاد تطرح مسألة فى موضوع مهما كان الا انبرى لها محللا أو ناقدا ، دون تقدير لمن هو أكبر منه سنا وأرفع قدرا وأغزر علما .
ولقد فطن الغربيون لهذا الأدب وعدوه عاملا مهما من عوامل النجاح وركنا أصيلا من أركان التواصل الفعال
وألفوا فيه المؤلفات وعقدوا له الدورات ، ونحن المسلمين أحق باتقانه منهم لأننا نعتبره دينا قبل أن نعده مهارة من مهارات النجاح فى الحياة ، فهل ربينا أنفسنا على حسن الانصات لجميع الناس صغارا وكبارا ؟